تحرير حلب- تحديات ما بعد الانتصار، وإعادة بناء سوريا

المؤلف: محمد ياسين نجار09.30.2025
تحرير حلب- تحديات ما بعد الانتصار، وإعادة بناء سوريا

الهواجس والتحديات

سيسجل التاريخ بأحرف من نور يوم الجمعة الموافق 29 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2024، باعتباره منعطفًا تاريخيًا فارقًا في مسيرة سوريا، والإقليم برمته، والأمة العربية والإسلامية جمعاء. ففي هذا اليوم المشهود، تحقق التحرير المنشود لمدينة حلب، درة المدائن السورية وعاصمتها الاقتصادية النابضة، والتي رزحت تحت وطأة الخنق والقيود منذ استيلاء عائلة الأسد على مقاليد السلطة في عام 1970.

يثير هذا الحدث الجلل تساؤلات جمة لدى المراقبين والمحللين على حد سواء، فيتساءلون بفضول: ما السر وراء هذا التحرير؟ وكيف تحقق هذا الإنجاز؟ وما هي أبرز الهواجس والتحديات التي تلوح في الأفق؟

أولًا: لماذا تحررت حلب؟

  1. إن تحرير حلب يشكل ضرورة حتمية لإعادة التوازن إلى القضية السورية، بعد أن تراءى للأسد أن الأمور قد استقرت لصالحه، وعاد تدريجيًا إلى الاندماج في المحيطين العربي والإسلامي.
  2. يمثل تحرير حلب حافزًا قويًا لاستئناف طرح الحل السياسي بجدية وموضوعية، بدلًا من مجرد رفع الشعارات الجوفاء. فمدينة حلب، التي تحتضن ربع سكان سوريا وتمثل ثلث اقتصادها، بخروجها عن سيطرة النظام، ستضع الأخير في موقف حرج أمام جميع السوريين، وخاصة حاضنته الشعبية، وتثبت عجزه عن حكم سوريا على الرغم من سيطرته النسبية عليها بعد عام 2020، مما يجعل البحث عن حل جذري لمعضلة استئثار عائلة الأسد بالسلطة أمرًا بالغ الأهمية.
  3. يكشف تحرير حلب عن مدى الهشاشة التي يعاني منها محور إيران، الذي توغل في الأراضي السورية وشكل دولة مستقلة داخلها، بل بات يتحكم في مفاصل الدولة السورية المتهالكة، نتيجة لضعف الأسد وعدم قدرته على إدارة شؤون البلاد.
  4. في ظل تحول سوريا إلى ساحة تسيطر عليها مكونات لا تنتمي إلى الدولة، فإن تحرير حلب يمثل نقطة انطلاق لإعادة بناء الدولة على أسس سليمة، وفقًا للضوابط السياسية التي تتوافق مع القانون الدولي ومعايير الأمم المتحدة.
  5. إن انشغال روسيا في خضم حربها على أوكرانيا، أدى إلى تراجع مستوى اهتمامها بدعم نظام الأسد.
  6. ازدياد حالة الاستياء لدى كل من روسيا وإيران، نتيجة لمناورات الأسد بعد تواصله مع الدول العربية.
  7. تنامي شعور تركيا بأن مفاوضات أستانا لم تعد ذات جدوى، على الرغم من الجهود المضنية التي بذلتها القيادة التركية في محاولة التقارب مع الأسد.
  8. عدم وجود أي ممانعة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، ويتضح ذلك من خلال عدم قيامها بأي تحرك استباقي أو إصدار أي تحذيرات، كما هو معهود منها في مناطق أخرى، مثل شمال شرق سوريا.

ثانيًا: كيف تحررت؟

  1. تمتلك إدارة العمليات العسكرية رؤية واضحة، وتخطيطًا محكمًا، وخططًا مناسبة، تم إعدادها منذ فترة ليست بالقصيرة.
  2. اختارت غرفة العمليات توقيتًا مثاليًا، بعد أن أصيبت ميليشيات إيران وحزب الله بحالة من الضعف والوهن النفسي والمعنوي.
  3. تحلي الثوار برغبة عارمة في تحقيق إنجاز ملموس، بعد فترة طويلة من التوقف عن تحقيق الانتصارات، مما جعلهم يتوقون إلى استعادة أمجاد الماضي.
  4. تولد شعور زائف لدى النظام بالأمان النسبي، وعدم وجود تهديد حقيقي يتربص به، وذلك منذ توقيع اتفاقية خفض التصعيد في عام 2020، مما دفعه إلى تسريح المجندين الاحتياط.
  5. تدهور الأوضاع في جيش الأسد، نتيجة لسوء الأحوال الاقتصادية وتوقف عمليات السلب والنهب التي كان يعتمد عليها منذ التدخل الروسي في عام 2016.
  6. عدم وجود انسجام وتناغم بين ميليشيات النظام والميليشيات الإيرانية، التي باتت تتعامل معهم بتعالٍ واستعلاء، مما أفقد النظام الحافز والرغبة في القتال إلى جانبها.
  7. تحقيق عنصر المفاجأة، خاصة في اليوم الأول من العملية، وسيطرة الثوار على مواقع إستراتيجية، في ظل عدم توقع النظام استهداف مدينة حلب.

أهم الهواجس

  • حالة الانفلات الأمني وانتشار أعمال السرقات، خاصة وأن مدينة حلب تزخر بالثروات والبنوك والمصانع والآثار.
  • فرض نموذج قيمي غريب على أهالي حلب، الذين يتميزون بالانفتاح والتنوع، حيث تضم المدينة مكونات عديدة، مثل: المسيحيين، والأرمن، والماردل، والأكراد.
  • تنامي دوافع الانتقام، نظرًا لوجود فئات في حلب تدعم الثورة بقوة، وفئات أخرى معادية لها بشدة، تتكون من الشبيحة الذين عاثوا فسادًا خلال الفترة السابقة.

التحديات

  1. تفاقم صعوبة الحوكمة مع انضمام حلب، نظرًا لوجود مؤسسات مركزية داخلها، مثل: (صوامع الحبوب، إكثار البذار، الأقطان، السكك الحديدية، المصرف المركزي).
  2. إعادة تدوير العجلة الاقتصادية، خاصة وأن عدد السكان مع انضمام حلب يقارب نصف سكان سوريا الحاليين.
  3. توفير وتأمين الخدمات الأساسية، مثل: الكهرباء، والمياه، والصحة، والتعليم، والمواد الأساسية.
  4. الحفاظ على الأمن، حيث يتطلب انضمام هذا التجمع السكاني الكبير وجود جهاز شرطة وقضاء محترف، يتمتع بالعدد الكافي والمساحة المناسبة للتغلب على هذا التحدي الجسيم.
  5. الافتقار إلى الموارد البشرية المدربة، بسبب هجرة عدد كبير منها خلال الأعوام السابقة.
  6. التعامل مع الهجرة العائدة، حيث تمثل عودة أعداد كبيرة من أهالي حلب تحديًا ليس باليسير، خاصة وأن العديد من العائلات قامت بإسكان أقاربها من المناطق الشرقية الذين دمرت مساكنهم، نتيجة لجرائم النظام والروس.
  7. مواجهة الهجرة المعاكسة، التي تمثل تحديًا حقيقيًا، خاصة في القطاعين الخاص والعام، إذا لم يتم استيعاب الموظفين ذوي الخبرة في إدارة الدولة، في ظل الرواتب الزهيدة.
  8. تأمين الموارد اللازمة لإدارة الدولة والمؤسسات.
  9. إيجاد آلية مناسبة لتمثيل المناطق المحررة سياسيًا، حيث لم يعد ممكنًا تمثيل الائتلاف لهذه المناطق أو الانخراط في الحل السياسي.
  10. إقناع المجتمع الدولي بعدم تبني هذه المناطق لأي أفكار متطرفة، وإظهار أنها تمتلك خطابًا سياسيًا رصينًا.

ختامًا

إن سوريا والمنطقة بأسرها تقف على أعتاب منعطف هام، يتطلب تضافر الجهود الإقليمية والعربية والدولية، من أجل المساهمة في فرض الاستقرار في المنطقة، وإعادة إيران إلى حدودها، بعد أن توسعت وتسببت في إشعال الفتن وتدمير سوريا، ولبنان، والعراق. فهل يكون تاريخ تحرير حلب بمثابة موعد مع إعادة كتابة حضارة المنطقة من جديد؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة